صفحة من كتاب سينشر حديثاً للدكتور سعد الخلف بعنوان احاديث الناس
خادمة مطيعة
عملت في منزلنا ، وكنا فرحين جداً بها حين حلّت بيننا وفرحنا أكثر حين استطعنا فهم لغتها, جميع أفراد العائلة استفادوا من خدماتها وأضافت لنا جميعاً بهجة وسروراً .
ساعدتني على أن أبدو أمام الناس كريماً وبين أقراني أنيقاً، وكذلك الحال مع زوجتي وبناتي حين أبهروا مجتمعهم النسوي بنظافة البيت وحسن أثاثه وجمال
تحفه ، واستعرضوا أصناف الأطباق العالمية على طاولة طعام فاخرة ، ولاحظوا أن فساتينهم ومجوهراتهم ومقتنياتهم لفتت انتباه زميلاتهم بفضل مساعدة
خادمتهم لهم .
والحال كذلك مع أبنائي الذي استمتعوا باستعراض ملابسهم الرياضية وأحذيتهم التي تبدو أمام زملائهم وكأنها دائما جديدة من نظافتها بفضل الخادمة
طبعا .
صارت الخادمة تشاركنا كل تفاصيل حياتنا ، وقد تعرف عن بعضنا أكثر مما نعرفه نحن عن بعضنا البعض ونحن أسرة واحدة ، بل صارت تخبرنا عن تفاصيل دقيقة عن
حياة جيراننا وبعض أفراد عائلتنا الكبيرة وأصدقائنا ، بحكم علاقتها الجيّدة مع الخادمات اللاتي يعملن عندهم .
وذات يوم
عثرت إحدى بناتي على دفتر مذكرات الخادمة، وبسبب فضول ابنتي الذي لم أحمده لها إلا هذه المرة ، قرأت ما كتبته الخادمة وفاجأتنا به ابنتي وآلمنا كثيراً ما اكتشفناه، وسأورد لكم جزءاً يسيراً مما كتبت :
- صاحب البيت مغرور ومتكبر يتباهى عند أقرانه وأهله، وينسب الفضل دائماً في كل شيء جميل في حياته لزوجته على أنني أنا من يقوم بكل شي .
- صاحبة المنزل وبناتها على شاكلة واحدة منافقات وكذابات ، يقلن للناس شيئاً ويحكين فيما بينهن شيئاً مخالفاً تماماً .
- غرف النوم وغرف الملابس والممرات العلويّة وسطح المنزل، أشبه بمستودع للملابس القديمة والأجهزة التالفة، وحاجيات مبعثرة يختلط فيها الحابل بالنابل على خلاف مجلسهم الذي يستقبلون فيه الضيوف ، فهو يشعّ نظافة ويشدّ الانتباه من جماله وحسن ترتيبه بفضلي أنا طبعاً .
- يظهرون في غاية التأنق والجمال حين يزورهم أحد ، بينما يقضون غالب وقتهم في البيت ببيجامات النوم .
- ذهبت معهم في رحلة قصيرة جداً لم تتجاوز أربعة أيام أمضوا غالبها في التصوير ، وحين رجعنا سمعتهم يتحدثون عن رحلتهم ويحكون للناس تفاصيلها ويعرضون صورهم بطريقة تشعر المستمع أنهم أمضوا أربعة أشهر وليس أربعة أيام ، حتى أنني بدأت أشك في ذاكرتي التي شاركتهم كل تفاصيل الرحلة .
- بقدر حرصهم على الاستماع إليّ وسؤالي عما أعرف من خبايا وأسرار البيوت الأخرى ، فإن الآخرين كذلك يحاصرونني بكثرة الأسئلة حتى يحصلوا على أكبر قدر من الأسرار عنهم من خلالي .
- إنني أرى الغيرة تشع من عيون كل من يدخل بيتهم ويشاهد مقتنياتهم ، بل أنا متأكدةً أن بعضهم يحسدهم ويحقد عليهم لكثرة تباهيهم بما لديهم .
- أشعر بألم من يعرفهم من الفقراء أو محدودي الدخل وأشاركهم انكسار خواطرهم .
- حين يراهم ويسمعهم يستعرضون ممتلكاتهم وهم لا يملكون عشر معشار ما لديهم ألاحظ أنهم يقضون غالب وقتهم من أجل الناس وليس من أجل أنفسهم .
- حياتهم بكامل تفاصيلها ملك للآخرين ، ولا أظن أن لديهم شيئاً لم يره الناس بعد, إلا سوء طباعهم مع بعضهم والفوضى العارمة في غرفهم ، وما لا تقع عليه عيون ضيوفهم .
- أحس أن جدران بيتهم من زجاج وليس لغرفهم ستائر وحقائبهم شفافة تبدي ما فيها للناس .
يبدو أنكم عرفتم كل شيء عنا لكن بقي أن تعرفوا أن اسم خادمتنا المطيعة هو (إنستجرام)..